الاثنين، 17 مارس 2008

تداعيات انخفاض الدولار الأمريكي على الاقتصادات الخليجية وعلاقته بفك الارتباط

تواجه الولايات المتحدة الأمريكية تحديات اقتصادية كبيرة، فهي تعاني من عجز في الميزان التجاري يبلغ حوالي 760 مليار دولار أمريكي، وفقاً لبيانات عام 2006م وحده. وقد بدأ هذا العجز عام 1971م ولم يتوقف خلال أكثر من ثلاثة عقود سوى في عامين فقط خلال تلك المدة الطويلة. وأسباب العجز التجاري عديدة منها؛ صعود اقتصاديات أوروبا واليابان بعد تعافيها من الحرب العالمية الثانية، وظهور اقتصاديات ديناميكية جديدة مثل دول جنوب شرق آسيا والصين، واندلاع ثورة التكنولوچيا ووسائل الانتاج الحديثة وانتشارها بصورة هائلة لدى نمور الاقتصاد الآسيوية حيث لم تعد تلك التقنيات حكراً على الدول الصناعية الكبرى في قارتي أمريكا الشمالية وأوروبا.
ونتيجة لأن الدول الآسيوية لا تتمتع بمستويات المعيشة العالية الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، فقد أسهم ذلك في أن تصنع هذه الدول منتجات بتكلفة أقل من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي ساعدها على اختراق الأسواق الأمريكية ومنافسة المنتجات الأمريكية.
وقد دفع ذلك بعض الشركات الأمريكية إلى التوجه لسياسة تصنيع منتجاتها في الخارج والتصدير للأسواق الأمريكية لتتمكن من منافسة البضائع الأجنبية المنشأ والتصنيع، ومن ثم فقد تحولت الولايات المتحدة الأمريكية إلى بلد مستورد للمنتجات الأمريكية.
وقد أدت هذه السياسة إلى حدوث عجز تجاري كبير في الميزان التجاري الأمريكي، وأدت إلى فقدان ملايين الوظائف المحلية في السوق الأمريكية، وبالتالي أسهمت في التباطؤ الذي بدأ الاقتصاد الأمريكي يعاني منه والذي هو أقرب للكساد الشامل في الولايات المتحدة الأمريكية حيث بلغ معدل النمو الحقيقي، أي بعد احتساب التضخم، في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2006م نسبة ضئيلة لا تتجاوز 2.9%.
ونتيجة طبيعية لتدهور حالة الاقتصاد الأمريكي، عانى الدولار الأمريكي من انخفاض حاد أمام العملات الأخرى.
ولكن السؤال المهم والذي يتردد كثيراً، هل انخفاض الدولار الأمريكي يتم دون إرادة من صانع القرار الأمريكي؟
بالطبع لا، فما يتم هو سياسة متعمدة يقرها بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي ومؤسساته في العاصمة واشنطن. فالدولار الأمريكي المنخفض أمام العملة الأوروبية اليورو أو الجنيه الاسترليني المرتفع يعني صادرات أمريكية أرخص وأكثر تنافسية لأوروبا، وفي الوقت نفسه صادرات أوروبية أغلى للولايات المتحدة الأمريكية وأقل تنافسية وبالتالي رواجها أقل في السوق الأمريكية وطبعاً استيراد أقل من أوروبا.

الصين وأمريكا

وأبلغ دليل على صراع الكبار بسلاح العملات، تلك الحرب الضروس الدائرة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية على تخفيض العملة لكل منهما. فالصين تثبت قيمة عملتها اليوان بسعر منخفض مصطنع أمام الدولار الأمريكي بهدف تصدير منتجات غاية في التنافسية للأسواق الأمريكية. ورغم الضغط الأمريكي القوي الذي تمارسه واشنطن ضد بكين، إلا أن صانع القرار الصيني يرى في سياسته الراهنة مزيداً من المكاسب حتى إشعار آخر.
وتحاول الصين امتصاص الضغط الأمريكي بالقيام بإجراءات محدودة برفع قيمة اليوان بنسب محسوبة لا ترضي الأمريكيين بالطبع، رغم أنها تكررت مرتين خلال العامين الأخيرين.
ومن ثم فالصراع بينهما يدور على تخفيض العملة سعياً من كل طرف لتأمين قدرات تنافسية أعلى في مواجهة الآخر. من هنا يتبين أن انخفاض قيمة الدولار الأمريكي هي سياسة متعمدة لها فوائدها الاقتصادية على الولايات المتحدة الأمريكية.

المأزق الخليجي الراهن

لقد ربطت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، باستثناء دولة الكويت، عملاتها بالدولار الأمريكي الذي تراجعت قيمته بنسبة تصل إلى نحو 25% أو أكثر خلال العامين الأخيرين. وهذه الدول تبيع البترول مقوماً بالدولار الأمريكي، الأمر الذي انعكس سلباً على عائداتها من تصدير البترول، وهبط بقيمة عملاتها وأشعل التضخم في أسواقها.

قصة ارتباط العملات

إرتباط العملات نوع من أنواع أسعار الصرف المتعارف عليها دولياً. وعندما تم إقرار اتفاقية بريتون وودز عام 1944م والتي تم بموجبها إنشاء صندوق النقد الدولي، كان الدولار الأمريكي هو محور الارتكاز لنظام النقد العالمي، وكان كل 35 دولاراً أمريكياً تساوي أونصة ذهب واحدة. وفي عام 1981م تم فك الارتباط بين الذهب والدولار الأمريكي، وأصبح هناك ما يعرف بتعويم العملة، وهو تحديد قيمة العملة على أساس سعر الدولار الأمريكي ووفق ما تحدده قوى العرض والطلب.
وبالنسبة للدول العربية كافة، فإن ارتباط عملاتها بالدولار الأمريكي يأخذ أحد شكلين؛ إما أن يكون ارتباطاً رسمياً أو عملياً. وبالنظر إلى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فإن هناك أربع دول ترتبط عملتها بحقوق السحب الخاصة SDR والمكون الرئيسي لها هو الدولار الأمريكي، وتتحرك بموجبه صعوداً وهبوطاً بنسبة 70%. وتلك الدول هي؛ المملكة العربية السعودية، دولة قطر، الامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان. وترتبط هذه الدول رسمياً وعملياً بالدولار الأمريكي، أي أن هناك تثبيتاً لسعر الصرف.
أما الكويت فقد كانت ترتبط بسلة عملات، ثم عادت للارتباط بالدولار الأمريكي، وبعد فترة فكت هذا الارتباط وعادت مرة أخرى لسلة العملات.

التضخم المستورد

نتيجة لعظم حجم الشراكة بين دول الخليج العربي والإتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الأول لدول الخليج العربي، فقد ظهرت ظاهرة التضخم المستورد في أسواق هذه الدول، بسبب تراجع عملاتها المربوطة بالدولار الأمريكي الذي تراجع لأدنى مستوى له منذ أكثر من 15 عاماً. ولمواجهة هذه المشكلة لابد لدول الخليج العربي أن تعمل على أن تحل الوارادت من الولايات المتحدة الأمريكية محل الواردات من الاتحاد الأوروبي للاستفادة بفارق سعر الصرف بين اليورو والدولار الأمريكي.

فك الارتباط .. المخاطر والمكاسب

هل بات فك الارتباط بالدولار الأمريكي أمراً حيوياً لاقتصاديات دول الخليج العربي؟ وهل صحيح أن الارتباط بسلة العملات يعمل على تخفيض نسب التضخم المستوردة؟ وما علاقة ذلك بارتفاع أسعار برميل البترول والتوتر السياسي في المنطقة؟ وكيف يمكن معالجة التضخم؟ وما أثر ذلك على قرار قمم مجلس التعاون لدول الخليج العربية بإصدار عملة موحدة عام 2010م؟ وهل المطلوب في الوقت الراهن احتساب سعر صرف جديد إزاء العملات الأجنبية، لتجاوز ما تعيشه الاقتصادات الخليجية؟
هذه الأسئلة تحير الخبراء والمحللين الماليين، الذين ينقسمون حيالها انقساماً بيناً، فمنهم من يدافع عن استمرار ارتباط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي على أساس أن الدولار الأمريكي هو حجر الزاوية في علاقات دول الخليج العربي مع العالم والقائمة على تسعير البترول، أهم سلعة خليجية، بالدولار الأمريكي.
بينما يرى آخرون أن الوقت قد حان لفك ارتباط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي الذي فقد كثيراً من قيمته خلال السنتين الماضيتين. ويستدل هؤلاء على آرائهم بما حدث للدينار الكويتي منذ شهر مايو 2007م الماضي والذي شهد أسعاراً قياسية منذ فك ارتباطه بالدولار الأمريكي وتحرره من تداعيات الأزمات الاقتصادية الأمريكية المتتالية مثل أزماته الأخيرة والتي شملت؛ أزمة الرهن العقاري، انخفاض سعر الصرف للعملة الأمريكية مقابل عملات أخرى ومنها اليورو، وقرارات بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي التي أضرت بصحة الاقتصاديات الخليجية وأصابتها بالتضخم.
وهناك فريق ثالث يتخذ موقفاً وسطاً بين الاتجاهين السابقين، إذ يطالب بعدم الانجرار وراء قرارات البنك المركزي الأمريكي المتتالية في تخفيض أسعار الفائدة والنظر في إعادة تقييم أسعار العملات الخليجية مقابل الدولار الأمريكي لتلافي التداعيات المتعلقة بالدولار الأمريكي نفسه.

تراجع القيمة

تؤكد مصادر البنك المركزي الإماراتي أن الدرهم الإماراتي فقد منذ بداية عام 2002م وحتى نهاية عام 2006م ما يساوي 49% من قيمته تجاه اليورو، و37% من قيمته تجاه الجنيه الاسترليني، و20% تجاه وحدات السحب الخاصة SDR نظراً لارتباط الدرهم الإماراتي بالدولار الأمريكي. لكن محللين ماليين اعتبروا أن هذا الوضع للدرهم الإماراتي لا يعكس واقع الاقتصاد الإماراتي الذي يحقق أفضل نمو في المنطقة.
إلا أن ذلك لم يمنع التوقعات الاقتصادية بأن كثيراً من المستثمرين الخليجيين قد يلجأون إلى تحويل مدخراتهم إلى عملة أخرى مثل اليورو، إذ ليس أمام السيولة في منطقة الخليج العربي سوى البحث عن عملة أكثر استقراراً من الدولار الأمريكي في حال استمر تراجعه.

أسباب الرفض

يرى خبراء ومحللون ماليون متعاملون مع الاقتصادات الخليجية أن قرار فك ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي ليس بالقرار السهل وأنه يحتاج إلى دراسة عميقة لكيلا تظهر تأثيرات سلبية في اقتصاديات المنطقة.
ويرى البعض أن العملات الخليجية ارتبطت لعشرات السنين بالدولار الأمريكي، كما أن الدول الخليجية تبيع البترول مسعراً بالدولار الأمريكي، هذا فضلاً عن أن معظم استثمارات الدول الخليجية في الخارج مقومة بالدولار الأمريكي.
وهذا التحليل يسري على معظم الدول الخليجية باستثناء دولة الكويت، التي لم تربط عملتها بالدولار الأمريكي سوى لعامين ونصف العام فقط، وبالتالي فقرارها يبدو أنه قد جاء من ظروف خاصة بها. أما بقية الدول الخليجية الأخرى، فمن الصعب عليها أن تحذو حذو دولة الكويت، لأنها قد تعرض اقتصاداتها لمخاطر كبيرة في الأجل القصير.

خسائر جمة

ورغم كل ذلك، يظل هناك سؤال يتردد كثيراً، وهو إلى أي مدى سيؤدي قرار فك ارتباط العملات الخليجية مع الدولار الأمريكي إلى تغيير تسعير البترول بالدولار الأمريكي، والبدء بتسعيره بعملات أخرى؟
وهذا السؤال بالطبع يكتسب مشروعية كبيرة في ظل ما منيت به دول الخليج العربية من خسائر خلال العامين الماضيين بسبب بيع البترول المسعر بالدولار الأمريكي.
لكن المؤكد أن ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي أمر له علاقة بأبعاد سياسية استراتيچية خاصة بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وحسب تقديرات البعض، فإن 70% من حجم الدولار الأمريكي موجود خارج الولايات المتحدة الأمريكية وهو يشكل حلقة الوصل في التجارة الدولية بشكل عام، ما يعني أن الاقتصادات العالمية لا تستطيع أن تتخلى بسرعة عن تسعير شريان حياتها البترولي بالدولار الأمريكي حتى لو أرادت ذلك. وبالتالي فإن الحالة مرتبطة بحالة الاقتصاد العالمي وليست مقرونة باقتصاديات الدول الخليجية فقط. ومن ثم فالانتقال إلى عملية تسعير البترول بعملة أخرى عملية معقدة وليس كما يعتقد البعض بأنها سهلة، حيث أن تجارة البترول هي العصب الرئيسي في التجارة العالمية، ومن هنا فالقرار لن يكون سهلاً سواءً لأبعاد اقتصادية أو سياسية أو استراتيچية.

الارتباط بالريال السعودي

وفي المملكة العربية السعودية، أكد الدكتور إبراهيم عبدالعزيز العساف، وزير المالية، أمام مجلس الشورى في الجلسة التي عقدت يوم 17 فبراير 2008م، وفق ما نقلته جريدة «الاقتصادية»، أنه ليس من المصلحة خفض قيمة الريال السعودي أمام الدولار الأمريكي، وأن قرار فك ارتباط الريال السعودي بالدولار الأمريكي هو قرار اقتصادي وليس سياسياً. وأوضح وزير المالية ومحافظ مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما»، الذي حضر الجلسة، أن المملكة العربية السعودية ستبقي سياستها في مجالي النقد وسعر الصرف دون تغيير في الوقت الحالي

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

جميل أوي بس مشكلتك انك مش بلوجر... انت ناقل منمواقع تانية..يا ريت بعد كدة تبقى تكتب المصادر اللي ناقل منها ... على العموم أنا هاكتبها بالنيابة عنك

http://www.ecoworld-mag.com/detail.asp?inserviceid=1&inmagflag=1
http://www.infotechaccountants.com/forums/showthread.php?p=17639